قبل اختراع الكهرباء.. البشر كانوا ينامون مرتين في الليلة!

قبل أن تُغَيِّر الكهرباء والشاشات طبيعة الليل، كان البشر ينامون بطريقة مختلفة تماماً عمّا نعرفه اليوم.
فبدلاً من نوم واحد متصل، اعتاد الناس لقرون طويلة على نوم ينقسم إلى مرحلتين، تُعرفان بالنوم الأول والنوم الثاني، يفصل بينهما وقت هادئ يمتد نحو ساعة أو أكثر يقضونه في التأمل أو القراءة أو الصلاة أو في أحاديث عائلية بسيطة. لم يكن هذا الاستيقاظ الليلي علامة اضطراب، بل جزءاً طبيعياً من إيقاع الحياة قبل دخول الحداثة.
وتشير أبحاث نُشرت في السنوات الأخيرة إلى أن هذا النمط القديم من النوم انسجم تماماً مع إيقاع الجسم اليومي، إذ كان إفراز الميلاتونين يبدأ مباشرة بعد حلول الظلام، ما يساعد على النوم المبكر. أما ظهور الإضاءة الاصطناعية فغيّر هذه المعادلة، إذ تبين أن الضوء القوي ليلاً يؤخر إفراز الميلاتونين، فتتأخر معه ساعات النوم ويضيع الفاصل الذي كان يشكل المرحلة الوسطى بين فترتي الراحة. ومع تراكم الأنشطة الليلية الحديثة، اندثر النوم المجزأ تقريباً في المجتمعات الصناعية.
وتظهر السجلات التاريخية والمذكرات الأوروبية بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر أن الاستيقاظ في منتصف الليل كان أمراً مألوفاً يمارسه مختلف الناس، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو طبقتهم. وأثبت المؤرخ روجر إكيرش وجود مئات الإشارات إلى النوم على مرحلتين في ثقافات متعددة، ما يدل على أنه كان ظاهرة إنسانية شائعة، وليست سلوكاً غريباً مرتبطاً بفئة محددة.
ومع الثورة الصناعية بدأت صورة الليل تتغير. فالإضاءة العامة ومصابيح الغاز ثم الكهرباء سمحت للناس بالبقاء مستيقظين لساعات أطول، كما فرضت المصانع جداول عمل ثابتة تتطلب الاستيقاظ المبكر، فاختفت تدريجياً فكرة تقسيم النوم. وأدى الضغط العصبي والكافيين وأنماط الحياة المتسارعة إلى إضعاف الإشارات البيولوجية الطبيعية، حتى أصبحت فترة النوم الممتدة لثماني ساعات تبدو القاعدة الثابتة رغم أنها تطور حديث العهد نسبياً.
وعلى الرغم من أن الاستيقاظ ليلاً يُفسَّر اليوم غالباً كاضطراب، فإن علماء النوم يرون أنه قد يكون امتداداً لبقايا إيقاع بشري قديم، وأن الذعر من الاستيقاظ القصير قد يكون هو السبب الحقيقي لخلق مشكلة النوم، وليس الاستيقاظ نفسه. فحين يُنظر إلى هذه اللحظات على أنها فترات راحة طبيعية لا تستدعي القلق، يصبح النوم أكثر سلاسة ويعود التوازن إلى العلاقة بين الجسم وإيقاعه الداخلي.
وبينما يحاول بعض الناس اليوم العودة جزئياً إلى أنماط نوم أكثر مرونة، سواء عبر نوم ليلي وجيزة قيلولة نهارية أو عبر تقسيم النوم بحسب الطاقة اليومية، يؤكد الخبراء أن انتظام الجدول يظل هو العامل الأهم للحفاظ على سلامة الإيقاع البيولوجي. ورغم ذلك، فإن دراسة الأنماط القديمة تذكير بأن الراحة ليست قالباً واحداً، وأن نمط النوم الحديث ما هو إلا استجابة لتحولات اجتماعية وتكنولوجية عميقة.
في نهاية المطاف، يكشف تاريخ النوم أن الجسد لا ينسجم دائماً مع ضوء المصابيح وجداول العمل، بل مع دورة الضوء الطبيعية ومع حاجته للهدوء. لذلك، سواءً كان النوم على مرحلة واحدة أو مرحلتين، فإن الانسجام مع الإيقاع الشخصي هو الأساس في تحقيق نوم مريح يعيد للجسم صفاءه وطاقته.
