السودان بين الحرب والوساطات: الجيش يرفض الهدنة وواشنطن تكثّف جهودها لوقف النزاع!

تشهد الساحة السودانية تصعيدًا غير مسبوق في الأزمة المسلحة المستمرّة منذ أكثر من عامَيْن بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، وسط محاولات أميركية متواصلة لفرض هدنة إنسانية، في وقت يتمسّك فيه الجيش بخيار الحسم العسكري.
وكان وزير الدفاع في حكومة البرهان حسن كبرون، قد أعلن في خطاب بثّه التلفزيون الرسمي، أنّ الجيش سيواصل القتال ضدّ قوات الدعم السريع، مقدّرًا جهود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومقترحاتها لتحقيق السلام.
من جانبه، أوضح كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، أنّ الولايات المتحدة تعمل مع جميع الأطراف – الجيش وقوات الدعم السريع – بهدف التوصّل إلى وقف إطلاق نار وتوفير الدعم للمرحلة الإنسانية في البلاد.
وفي هذا السياق، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، إلى وقف فوري للعنف في السودان في ظل تدهور الأوضاع، قائلاً خلال مؤتمر صحافي على هامش “القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية” في الدوحة: “ضعوا حدًّا لكابوس العنف هذا الآن”.
وأضاف: “أدعو القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى العمل مع مبعوثي الشخصي إلى السودان… للتوصل إلى تسوية تفاوضية… أقبِلوا على طاولة المفاوضات”.
وأكد غوتيريش أنّ الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم منذ دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الفاشر شمال دارفور، مشيرًا إلى أنّ المدنيين يموتون بسبب سوء التغذية والأمراض والعنف.
وكان تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي – المدعوم من الأمم المتحدة – قد أفاد يوم الاثنين بانتشار المجاعة في مدينة الفاشر.
وفي نهاية تشرين الأول، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على المدينة بعد حصار استمر نحو 18 شهرًا، ما أتاح لها بسط نفوذها على ولايات دارفور الخمس، التي تمثّل ثلث مساحة السودان.
وقال غوتيريش إنّ الفاشر والمناطق المحيطة بها “بؤرة للمعاناة والجوع والعنف والنزوح”، مضيفًا أنّ مئات الآلاف من المدنيين قد حوصروا وسط المعارك.
وفي المقابل، أعلنت “المنظمة الدولية للهجرة” أنّ أكثر من 36 ألف سوداني فرّوا من بلدات وقرى في ولاية شمال كردفان خلال الفترة الممتدة ما بين 26 و31 تشرين الأول، مع اتساع رقعة القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع الذي اندلع في نيسان 2023.
وخلال الأسابيع الأخيرة، امتدّت المواجهات من دارفور إلى ولايات كردفان المجاورة، وسط تقارير عن حشود عسكرية كبيرة للطرفين في مدن وقرى شمال كردفان. ويسعى كل من الجيش وقوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة الأبيض، عاصمة الولاية ومركز لوجستي واستراتيجي يربط بين دارفور والخرطوم، وتضم مطارًا مهمًا.
وفي تسجيل مصوّر بثّته قوات الدعم السريع، قال أحد عناصرها إنّ “كل القوات التحمت في محور بارا”، في إشارةٍ إلى البلدة الواقعة شمال الأبيض والتي أعلنت القوات السيطرة عليها الأسبوع الماضي.
كما أفاد سكان من مناطق قرب الأبيض بانتشار كثيف لقوات الطرفين خلال الأسبوعين الماضيين، وتوقّف الأهالي عن التوجه إلى مزارعهم خوفًا من تجدد المعارك.
وفي سياق التحذيرات الأممية، دعت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، إلى ضرورة منع تكرار سيناريو دارفور في شمال كردفان، مؤكدةً أنّ “ما يجري هناك ينذر بتفاقم الكارثة الإنسانية في السودان”، حيث تسبّب النزاع حتى الآن بمقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 12 مليون شخص داخل البلاد وخارجها، في واحدةٍ من أكبر أزمات النزوح والجوع في العالم.
